البريكس وعملة موحدة- طموح أم تحديات اقتصادية وسياسية؟

المؤلف: علي محمد الحازمي11.11.2025
البريكس وعملة موحدة- طموح أم تحديات اقتصادية وسياسية؟

منذ ما يربو على عقدين من الزمن، تسعى دول تجمع البريكس، وفي مقدمتها جمهوريتي الصين وروسيا الاتحادية، إلى تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي المهيمن. يهدف هذا المسعى الحثيث إلى صون اقتصاداتها المتباينة من تأثير العقوبات الأمريكية، والحد من التعرّض لتقلبات السياسات الاقتصادية والنقدية الأمريكية المتقلبة، هذا بالإضافة إلى طموحها المشروع في تبوّء مكانة مرموقة في الصدارة الاقتصادية العالمية.

في العديد من المحافل الدولية، أعرب قادة بارزون من دول البريكس عن استيائهم من الدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في النظام المالي والنقدي العالمي، متسائلين باستنكار: "لماذا ينبغي لنا أن نرتكز تعاملاتنا التجارية على الدولار؟!". وفي اجتماعهم الأخير، لمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية ظهور عملة موحدة جديدة في غضون السنوات القليلة المقبلة. السؤال الذي يلح على الأذهان، والذي أسعى جاهداً للإجابة عليه في هذا المقال، هو: ما الجدوى الحقيقية من تبني مجموعة البريكس لعملة موحدة ومشتركة؟

إن فكرة العملة الموحدة ليست وليدة اللحظة، ففي أربعينيات القرن العشرين، تقدم الخبير الاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز باقتراح لإنشاء عملة عالمية موحدة بهدف معالجة الاختلالات في التجارة الدولية، وتبسيط وتثبيت دعائم التمويل العالمي. وفي سبعينيات القرن الماضي، خلال المناقشات المحتدمة حول إرساء نظام عملة دولية جديد، عادت بعض الدول لمناقشة مفهوم العملة الموحدة مرة أخرى. عملة موحدة لدول مجموعة البريكس، تعني ببساطة أن تتخلى كل دولة من دول المجموعة عن عملتها الوطنية الخاصة لصالح عملة مشتركة واحدة.

لعلنا نستلهم العبر من تجربة الاتحاد الأوروبي الرائدة في عملته الموحدة "اليورو"، لتوضيح مدى صلاحية خوض مجموعة البريكس لذات التجربة. على الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي تقع في قارة واحدة وتجمع بين العديد منها روابط ثقافية وتاريخية متينة، مما يعزز الشعور بالوحدة والتكاتف الذي يدعم العملة المشتركة، إلا أنه استغرق جهوداً مضنية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن للوصول إلى إطار استراتيجي توافقي لعملة مشتركة هي "اليورو".

حتى يومنا هذا، تنطلق دعوات متصاعدة من بعض دول الاتحاد الأوروبي للتخلي عن عملة اليورو الموحدة، وقد يعزى السبب الرئيس في ذلك إلى عدم القدرة على التحكم في سياساتها النقدية بشكل مستقل، مما يحد من قدرتها على التجاوب الفعال مع الظروف الاقتصادية المحلية المتغيرة، الأمر الذي أدى إلى إذكاء المشاعر القومية المتطرفة والدعوات الحادة للعودة إلى العملات الوطنية. علاوة على ذلك، فرضت عملة اليورو ميثاقاً صارماً للاستقرار والنمو، يفرض قيوداً صارمة على الميزانيات، مما منع بعض دول الاتحاد من استخدام السياسة المالية لتحفيز اقتصاداتها في أوقات الركود الاقتصادي الحاد.

على النقيض تماماً من ذلك، تتوزع دول مجموعة البريكس على قارات متعددة متباعدة، وتوجد اختلافات سياسية وأيديولوجية جوهرية بينها، مما قد يؤدي إلى نشوب صراعات حادة حول الحكومة الاقتصادية والأولويات السياسية المتضاربة. وخلافاً للاتحاد الأوروبي، تفتقر مجموعة البريكس إلى إطار مؤسسي متين لدعم الاتحاد النقدي، بما في ذلك إنشاء بنك مركزي موحد وسياسات مالية منسقة ومتوافقة. إضافة إلى ذلك، فإن تباين الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء واختلاف مستويات التنمية والسياسات المالية المتباينة، يجعل من الصعب للغاية إنشاء سياسة نقدية موحدة ومتجانسة.

إن تركيز مجموعة البريكس على إنشاء نظام دفع مالي بديل عن العملة الموحدة سيكون أكثر جدوى وواقعية وأسرع في التنفيذ من إنشاء عملة مشتركة تنطوي عليها درجة عالية من التكامل الاقتصادي والسياسي المعقد. وبهذه الطريقة، ستعزز مجموعة البريكس من مرونتها الاقتصادية وقدرتها على التكيف مع المتغيرات، وتقلل من تعرضها للعقوبات الاقتصادية المفروضة. وحتى تتضح الرؤية بشكل كامل، سيسمح هذا النهج باتخاذ إجراءات أكثر سرعة وفاعلية، مع تعزيز التجارة البينية والتعاون الوثيق فيما بينها، مما يمهد الطريق في نهاية المطاف نحو إرساء إطار مالي أكثر استقلالية وقوة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة